الثلاثاء، 26 أبريل 2011

مــــــــــــــبرر



ترددت على عتبة باب المطبخ قليلا, فكرت أن تسأله ماذا يحب أن تطبخ له غدا, لكنها تراجعت, ليس لعلمها بالإجابة التي غالبا ما تكون " أي حاجة" أو "زي ما تحبي يا حبيبتي" أو " أي حاجة من إيديكي حلوة", لكن بسبب شعورها المقيت لوقع صوته الممل في أذنها , فقد قررت مؤخرا أن تتجنب خوض أي حديث معه حتى لو كان حديث يومي لا يحمل المجادلة أو النقاش, صمته الذي كانت تكرهه في بداية زواجهما بات محببا ورائعا لها الآن, حتى رحلات العمل التي كانت تكئبها قبل عامان من الآن أصبحت تترقبها باهتمام مبالغ فيه, أخرجت سيجارة من حمالة صدرها, وأخذت قداحة الموقد من على رف خشبي مثبت جانب الموقد, فتحت النافذة وجلست على غسالة الصحون أسفلها, كانت تفكر في الأسباب التي جعلتها تكرهه لهذا الحد, " يا الله مش طايقاه" وهي تعلم أنها لا تملك اجابات واضحة , لاشيء حقيقي وملموس , كلما تردد في عقلها إجابة "لاشيء" يزداد حنقها وغضبها أكثر , ويزداد كرهها له أكثر, هو لم يؤذها قط, يلبي طلباتها قيد المستطاع , يدللها احيانا بهدايا و ورود , تتأمل الورود الوردية الذابلة في كأس ماء موضوع على الرف وتفكر في التخلص منها فورا, حين أتاها بتلك الورود آخر مرة طلبت منه ألا يأتيها بورود مجددا, تعللت بأنها تذبل سريعا وهي لا تحب منظرها حين تذبل , أخذت تعصر مخها حتى تجمع صفاته السلبية فربما حينها يختفي شعورها بالذنب تجاهه ,"شكاك , مش صريح, هادي أوي وأحيانا عصبي أوي, ممل ودماغه فارغة , عايز ولاد كتير ", ابتسمت حين أدركت أن تلك صفات جميع الرجال الشرقيون دون استثناء, اسندت رأسها على الحائط وأخذت تحاول تلخيص أيامها معه, " بصحى الصبح بدري أعمل الفطار, يفطر هو وينزل الشغل , انام ساعة , أصحى أنظف البيت وأتفرج على التلفزيون لو الجو حلو أنزل السوق , أرجع أطبخ الغدا , يجي هو يتغدى وينام , أقعد انا عالنت او اتفرج عالتلفزيون أو أقرا لحد ما يصحى يقعد معايا شوية , نخرج ساكتين او نفضل في البيت ساكتين لحد آخر الليل" , ملل قاتل ! , تذكرت حين كانت تعمل في مكتب استشارات هندسية في بداية زواجها, كانت تشعر بأن لها حياة خاصة , أصدقاء ومعارف ومواقف ومشاغل , انتهى أمر عملها في يوم وليلة , ذلك اليوم عادت للمنزل بعد العمل أخبرت زوجها ضاحكة," تخيل فيه موظف جديد عندنا جه يسألني لو كنت مرتبطة عشان عايز يخطبني أنا لازم أضيق الدبلة بسرعة وأرجع ألبسها" , كانت تحكي له بحسن نية بالغة والضحك يملؤها, لم تكن تعلم أنها سيحكم عليها بالإعدام في تلك الليلة وستترك العمل بعد مجادلة بشعة انتهت بتخيرها بينه وبين العمل ولسذاجتها الغير متناهية اختارته , " وياريتني ما اخترته", أنهت السيجارة وألقت بها من النافذة وهي تتخيل أن تسقط على رأس أحدهم في الأسفل, هي تعلم أن بإمكانها الخروج كل يوم مع صديقاتها وتضييع وقتها في التسكع في المولات والمقاهي, لكنها تعلم أكثر انها لم تحتمل نظرة التأنيب التي ستظل عالقة على وجهه لمدة أيام متتالية دون أن يعاتبها بكلمة واحدة, نظرة حارقة أسوء من ألف شجار أو خلاف, "يارب ارحمني , يا تحببني فيه , يا تقولي كارهاه ليه؟ " , تذكرت كل أفكارها وأحلامها قبل الزواج , أيام الجامعة ,مناقشاتها السياسية والثقافية , موسيقاها المفضلة, سهراتها مع أصدقائها , عشقها لقراءة الفلسفة والتاريخ , الأماكن التي كانت تذهب إليها حين تحزن ,سلاسل من الذكريات اجتاحتها ودفعت بالدموع في عينيها, ذكريات ماتت وانسحقت وتففتت , لم يتبق منها سوى عصفور محصور في شقة واسعة مع جسد غريب تماما, "أتطلق؟ محدش من عيلتنا عملها قبل كدة.. يالهوي انا بقيت بفكر زي البنات الي كنت بتريأ عليهم", الطلاق حل فوري ومخلص , لكن ما مبرر الطلاق؟, ألا يكفي انه جعلني أترك عملي ؟! , وهل هذا المبرر سيكون كافيا ليسد أفواه عائلتي وعائلته, شعرت بأنها محاصرة دائما بالأخرين, ماذا سيقولون؟ ماذا ستكون ردود أفعالهم؟ , ماذا سيظنون؟ كيف سيفكرون؟ ,لكن ما تفكر فيه هي وما تريده وما تقوله أو تراه هو دائما في دائرة المستحيل وفي موضع الاستغراب , هي تعلم جيدا أنها لا ترغب في تكرار هذه الجلسة كل يوم لأسابيع وأشهر قادمة, لا ترغب في الجلوس على غسالة الأطباق في المطبخ بعد أعوام تحبس دموعها ويدور عقلها في حلقات وحلقات وحينها سيكون حولها سرب من الأطفال يبكون ويأكلون ويتبولون ويصرخون , " هعمل الي أنا عايزاه والي نفسي فيه مرة فحياتي, يمكن حياتي تتغير وأعرف أعيش", انطلقت منها آه طويلة غير مكتملة, غفلها مروره من أمام المطبخ ,توقف,و ألقاها بنظرة تفحص أربكتها , ابعدت خصلات من شعرها وراء اذنها" تحب أطبخلك أيه بكرة؟" , " أي حاجة من ايديكي حلوة يا حبيبتي".

ليست هناك تعليقات: