السبت، 7 يناير 2012

متتالية داخلية (1)


لا أعرف كيف ومتى حدث ذلك الانفصال , الدقائق تمر بسرعة شديدة وكان أحدهم يستمر بالضغط على زر ال FF الخاص بالوقت , أحاول ان اقلل مساحة الانفصال كل ثانية لكني أفشل , أفشل في ان اربط بين المحيط الذي يحيط بجسدي المتحرك ونصرفاتي المبرمجة في التفاعل مع العالم الخارجي وبين عقلي المتحدث بالداخل , ذلك الصوت الذي يفكر ويحلل ويسخر ويضحك ويتألم ويندهش ويعمل بسرعة شديدة فتجعل الدقائق المحسوبة في العالم الخارجي وكأنها ثواني , أما الثواني فأعلنت انقراضها منذ زمن ليس بطويل وليس بقصير .

أتحدث كرد فعل طبيعي لوجود أصدقائي حولي يتحدثون ويتناقشون , اتحدث للخارج رغم وجود صوت بالداخل يتحدث في أمر آخر ,احتار فيما أكثف طاقتي العقلية , للخارج ام للداخل , ادركت لوهلة ان صوتي الخارجي هو مبرمج برمجة شديدة الدقة لا تحتمل النسيان ولا تحتاج الى قدر كبير من التركيز فهو بعيد جدا عن منطقة الانفصال التي اقف عليها الاىن واحتار تلك الحيرة , صوتي الداخلي هو الاهم هو القريب من منطقة الانفصال ومهدد بالخطر , خطر الزوال او الخفوت او الهرب , التركيز فيه اهم وحتى اكون اكثر صراحة التركيز فيه اكثر متعة وتشويق لدرجة تغنيني عن صوتي الخارجي لدهور طويلة , انصاع لصوتي الداخلي الذي يجبرني بحساسيته المرهفة ان الغي صوتي الخارجي حتى لا يصاب بالتشويش وحتى يزداد وضوحا , اصمت , و أراقب البشر المحيطين بنا في المقهى , الاف الاصوات والنبرات , ألاف الالوان والابعاد , يتحدثون جميعا في آن واحد , هم لا يتحدثون فعليا في آن واحد , فكل منهم يتحدث فيقاطع فيصمت ليتحدث الطرف الاخر فيعترض فيقاطعه ليتحدث هو فيصمت الطرف الاخر بدوره , كل يحاول ان يستعرض رؤيته , ان يعلن ما يراه او ما يملي عليه تفكيره فتلك اللحظة , تخرج الكلمات بحماسة وباندفاع , وكأن عقولهم ابت ان تتكاسل فتلك اللحظة واملت عليهم ان يعلنوا انها قادرة على التفكير والتحليل قادرة على خلق رؤى ومشاهد لم تتمكن من خلقها او نسجها وأصحابها جالسون بمفردهم , فقط يعوزها البشر من اجل الاستعراض , يعوزها منافس من اجل ان تعمل وتفكر وتخبر عم النتائج المتوصل اليها في منافسة قاسية ومستهلكة لكل قدراتها وهامة جدا لأصحابها , وفقيرة ومتكررة ورزتينية جدا بالنسية لي من هنا , من موقعي هذا , اجد نفسي اثرثر مثلهم تماما واتناقش مثلهم تماما بصوتي المبرمج الذي تغاضى عن اهمالي له وعن تجاهلي المتعمد لدوره فأخد يعمل وحده مستكينا معتمدا على ذاكرته , الحروف والكلمات والعبارات والجمل المخزنة مسبقا ليبدو طبيعيا بأكبر قدر ممكن , ادرك انني قد ارهقت مبرمجاتي الخاريجة الصوتية والحركية , فأهود لمنطقة الانفصال لاعطي كل صوت حقه من التركيز , الثرثرة تعلو وتعلو , ابدأ اتداخل مع البشر وانساق بينهم ,بخلاف ان هناك لسان داخلي يتحدث ويفرض علي سطوري تلك , اما السنتهم الداخلية فلا تتحدث بل تهمس لهم بما لا يسمعونه فيستمرون في تجاهلها حتى تخفت وتزول ,فيبقى لهم الخواء , والخواء فقط .

photo by : Mirage

ليست هناك تعليقات: